فصل: الجهاد فرض كفاية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.جريمة إهدار الحقوق:

إن هده الحقوق هي التي تمنح الإنسان الانطلاق إلى الافاق الواسعة ليبلغ كماله، ويحصل على ارتقائه المقدر له، سواء أكان ماديا أم أدبيا.
ومن ثم، فإن أي تفويت أو تنقيص لحق من حقوق الإنسان يعتبر جريمة من الجرائم، وهذا نفسه هو السبب الحقيقي في منع الإسلام للحرب أيا كان نوعها، لأن الحرب بجانب كونها اعتداء على الحياة - وهي حق مقدس - فهي تدمير لما تصلح به الحياة.
وقد منع حرب التوسع، وبسط النفوذ، وسيادة القوي، فقال: {تلك الدار الاخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين} ومنع حرب الانتقام والعدوان، فقال: {ولا يجر منكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب} ومنع حرب التخريب والتدمير فقال: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها}.

.متى تشرع الحرب:

وإذا كانت القاعدة هي السلام، والحرب هي الاستثناء فلا مسوغ لهذه الحرب - في نظر الإسلام - مهما كانت الظروف، إلا في إحدى حالتين: الحالة الأولى: حالة الدفاع عن النفس، والعرض، والمال، والوطن عند الاعتداء.
يقول الله تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} وعن سعد بن زيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من قتل دون ماله، فهو شهيد، ومن قتل دون دمه، فهو شهيد، ومن قتل دون دينه، فهو شهيد، ومن قتل دون أهله، فهو شهيد» رواه أبو داود والترمذي والنسائي.
ويقول الله سبحانه: {ومالنا ألا تقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا} الحالة الثانية: حالة الدفاع عن الدعوة إلى الله إذا وقف أحد في سبيلها. بتعذيب من آمن بها، أو بصد من أراد الدخول فيها، أو بمنع الداعي من تبليغها، ودليل ذلك:
أولا: أن الله سبحانه يقول: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين} وقد تضمنت هذه الايات ما يأتي:
1- الأمر بقتال الذين يبدءون بالعدوان ومقاتلة المعتدين، لكف عدوانهم.
والمقاتلة دفاعا عن النفس أمر مشروع في كل الشرائع، وفي جميع المذاهب، وهذا واضح من قوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم}.
2- أما الذين لا يبدءون بعدوان، فإنه لا يجوز قتالهم ابتداء، لأن الله نهى عن الاعتداء، وحرم البغي والظلم في قوله: {ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين}.
3- وتعليل النهي عن العدوان بأن الله لا يحب المعتدين دليل على أن هذا النهي محكم غير قابل للنسخ، لأن هذا إخبار بعدم محبة الله للاعتداء والاخبار لا يدخله النسخ لأن الاعتداء هو الظلم، والله لا يحب الظلم أبدا.
4- أن لهذه الحرب المشروعة غاية تنتهي إليها، وهي منع فتنة المؤمنين والمؤمنات، بترك إيذائهم، وترك حرياتهم ليمارسوا عبادة الله ويقيموا دينه، وهم آمنون على أنفسهم من كل عدوان.
ثانيا: يقول الله سبحانه: {ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا} وقد بينت هذه الآية سببين من أسباب القتال:
أولهما القتال في سبيل الله، وهو الغاية التي يسعى إليها الدين، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله.
وثانيهما القتال في سبيل المستضعفين، الذين أسلموا بمكة، ولم يستطيعوا الهجرة، فعذبتهم قريش وفتنتهم حتى طلبوا من الله الخلاص، فهؤلاء لا غنى لهم عن الحماية التي تدفع عنهم أذى الظالمين، وتمكنهم من الحرية، فيما يدينون ويعتقدون.
ثالثا: يقول الله سبحانه: {فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا}. فهؤلاء القوم الذين لم يقاتلوا قومهم، ولم يقاتلوا المسلمين واعتزلوا محاربة الفريقين، وكان اعتزالهم هذا اعتزالا حقيقيا يريدون به السلام، فهؤلاء لا سبيل للمؤمنين عليهم.
رابعا: أن الله تعالى يقول: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم وإن يريدوا أن يخدعوكم فإن حسبك الله}. ففي هذه الآية الأمر بالجنوح إلى السلم إذا جنح العدو إليها، حتى ولو كان جنوحه خداعا ومكرا.
خامسا: أن حروب الرسول صلى الله عليه وسلم كانت كلها دفاعا، ليس فيها شيء من العدوان.
وقتال المشركين من العرب، ونبذ عهودهم بعد فتح مكة كان جاريا على هذه القاعدة.
وهذا بين في قوله تعالى: {ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء الله عليم حكيم}.
ولما تجمعوا جميعا ورموا المسلمين عن قوس واحدة، أمر الله بقتالهم جميعا يقول الله سبحانه: {وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين} وأما قتال اليهود، فإنهم كانوا قد عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هجرته، ثم لم يلبثوا أن نقضوا العهد وانضموا إلى المشركين والمنافقين ضد المسلمين، ووقفوا محاربين لهم في غزوة الاحزاب، فأنزل الله سبحانه: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتو الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} وقال أيضا: {يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين}.
سادسا: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على امرأة مقتولة، فقال: «ما كانت هذه لتقاتل».
فعلم من هذا أن العلة في تحريم قتلها أنها لم تكن تقاتل مع المقاتلين، فكانت مقاتلتهم لنا هي سبب مقاتلتنا لهم، ولم يكن الكفر هو السبب.
سابعا: أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الرهبان والصبيان، لنفس السبب الذي نهى من أجله عن قتل المرأة.
ثامنا: أن الإسلام لم يجعل الإكراه وسيلة من وسائل الدخول في الدين، بل جعل وسيلة ذلك استعمال العقل وإعمال الفكر، والنظر في ملكوت السموات والأرض.
يقول الله سبحانه: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون قل انظروا ماذا في السموات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون}.
وقال: {لاإكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي}.
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأسر الاسرى، ولم يعرف أنه أكره أحدا منهم على الإسلام.وكذلك كان أصحابه يفعلون.
روى أحمد عن أبي هريرة أن ثمامة الحنفي أسر وكان النبي صلى الله عليه وسلم يغدو عليه فيقول: «ما عندك يا ثمامة؟».
فيقول: إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تمنن تمنن على شاكر، وإن ترد المال نعطك منه ما شئت.
وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبون الفداء، ويقولون: ما نصنع بقتل هذا، فمر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم، فحله، وبعث به إلى حائط أبي طلحة، وأمره أن يغتسل، فاغتسل وصلى ركعتين.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لقد حسن إسلام أخيكم».
أما النصارى وغيرهم فلم يقاتل الرسول صلى الله عليه وسلم أحدا منهم.
حتى أرسل رسله بعد صلح الحديبية إلى جميع الملوك يدعوهم إلى الإسلام، فأرسل إلى قيصر، وإلى كسرى، وإلى المقوقس، وإلى النجاشي وملوك العرب بالشرق والشام، فدخل في الإسلام من النصارى وغيرهم من دخل، فعمد النصارى بالشام فقتلوا بعض من قد أسلم.
فالنصارى حاربوا المسلمين أولا، وقتلوا من أسلم منهم بغيا وظلما.
فلما بدأ النصارى بقتل المسلمين أرسل الرسول سرية أمر عليها زيد بن حارثة، ثم جعفرا، ثم أمر عبد الله بن رواحة، وهو أول قتال قاتله المسلمون للنصارى - بمؤتة من أرض الشام - واجتمع على أصحابه خلق كثير من النصارى، واستشهد الأمراء رضي الله عنهم، وأخذ الراية خالد بن الوليد.
ومما تقدم يتبين بجلاء، أن الإسلام لم يأذن بالحرب إلا دفعا للعدوان، وحماية للدعوة، ومنعا للاضطهاد، وكفاية لحرية التدين، فإنها حينئذ تكون فريضة من فرائض الدين، وواجبا من واجباته المقدسة ويطلق عليها اسم الجهاد.

.الجهاد:

الجهاد مأخوذ من الجهد وهو الطاقة والمشقة، يقال: جاهد يجاهد جهادا ومجاهدة، إذا استفرغ وسعه، وبذل طاقته، وتحمل المشاق في مقاتلة العدو ومدافعته، وهوما يعبر عنه بالحرب في العرف الحديث، والحرب هي القتال المسلح بين دولتين فأكثر، وهي أمر طبيعي في البشر، لاتكاد تخلو منه أمة ولا جيل وقد أقرته الشرائع الالهية السابقة.
ففي أسفار التوراة التي يتداولها اليهود، تقرير شريعة الحرب والقتال في أبشع صورة من صور التخريب والتدمير والاهلاك والسبي.
فقد جاء في سفر التثنية في الاصحاح العشرين عدد 10 ومابعده، ما يأتي نصه: حين تقرب من مدينة لكي تحاربها استدعها إلى الصلح، فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك، فكل الشعب الموجود فيها يكون لك بالتسخير، ويستعبد لك، وإن لم تسالمك، بل عملت معك حربا، فحاصرها، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك، فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء، والاطفال، والبهائم، وكل ما في المدينة، كل غنيمتها فتغنمها لنفسك، وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك، هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جدا، التي ليست من مدن هؤلاء الأمم هنا، وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبا فلا تبق منها نسمة ما، بل تحرمها تحريما - الحثيين والأموريين، والكنعانيين، والفرزيين، والحويين، واليوسيين، كما أمرك الرب إلهك.
وفي إنجيل متى المتداول بأيدي المسيحيين، في الاصحاح العاشر عدد 24 وما بعده يقول: لا تظنوا أني جئت لالقي سلاما على الأرض، ما جئت لالقي سلاما، بل سيفا، فإنني جئت لافرق الإنسان ضد أبيه والابنة ضد أمها، والكنة ضد حماتها، وأعداء الإنسان أهل بيته، من أحب أبا أو أما أكثر مني، فلا يستحقني، ومن أحب ابنا أو ابنة أكثر مني، فلا يستحقني، ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني، فلا يستحقني، ومن وجد حياته يضيعها، ومن أضاع حياته من أجلي يجدها.
والقانون الدولي أقر الظروف والاحوال التي تشرع فيها الحرب، ووضع لها القواعد، والمبادئ، والنظم، التي تخفف من شرورها وويلاتها، وإن كان لم يتم شيء من ذلك عند التطبيق.
تشريع الجهاد في الإسلام أرسل الله رسوله إلى الناس جميعا، وأمره أن يدعو إلى الهدى ودين الحق ولبث في مكة يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
وكان لابد من أن يلقى مناوأة من قومه الذين رأوا أن الدعوة الجديدة خطر على كيانهم المادي والأدبي.
فكان توجيه الله له أن يلقى هذه المناوأة بالصبر، والعفو، والصفح الجميل.
{واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا}. {فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون}. {فاصفح الصفح الجميل}. {قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله}. ولم يأذن الله بأن يقابل السيئة بالسيئة، أو يواجه الاذى بالاذى، أو يحارب الذين حاربوا الدعوة، أن يقاتل الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات. {ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون}.
وكل ما أمر به جهادا في هذه الفترة أن يجاهد بالقرآن، والحجة، والبرهان. {وجاهدهم جهادا كبيرا} ولما اشتد الاذى، وتتابع الاضطهاد حتى وصل قمته بتدبير مؤامرة لاغتيال الرسول الكريم، اضطر أن يهاجر من مكة إلى المدينة، ويأمر أصحاب بالهجرة إليها بعد ثلاث عشرة سنة من البعثة.
{وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} {إلا تنصروه فقد نصره الله} وفي المدينة - عاصمة الإسلام الجديدة - تقرر الاذن بالقتال حين أطبق عليهم الاعداء، واضطروا إلى امتشاق الحسام، دفاعا عن النفس، وتأمينا للدعوة.
وكان أول آية نزلت قول الله سبحانه: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} وفي هذه الآيات تعليل للاذن بالقتال بأمور ثلاثة:
1- انهم ظلموا بالاعتداء عليهم، وإخراجهم من ديارهم بغير حق إلا أن يدينوا دين الحق، ويقولوا: ربنا الله.
2- انه لولا إذن الله للناس بمثل هذا الدفاع، لهدمت جميع المعابد التي يذكر فيها اسم الله كثيرا، بسبب ظلم الكافرين الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر.
3- أن غاية النصر، والتمكين في الأرض، والحكم: إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
ايجابه وفي السنة الثانية من الهجرة، فرض الله القتال، وأوجبه بقوله تعالى: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.

.الجهاد فرض كفاية:

والجهاد ليس فرضا على كل فرد من المسلمين، وإنما هو فرض على الكفاية إذا قام به البعض، واندفع به العدو، وحصل به الغناء، سقط عن الباقين.
من الفرائض ما يجب على كل فرد أن يقوم به ولا يسقط بإقامة البعض له، مثل: الايمان، والطهارة، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج. فهذه فرائض عينية، يلزم كل فرد أداؤها، ولا يحل له أن يقصر فيها.
ومن الفرائض ما يجب على بعض الناس دون البعض الآخر، وتسمى هذه الفرائض بفروض الكفاية وهي أنواع:
1- النوع الأول ديني، مثل: العلم، والتعلم، وحكم الشبهات، والرد على الشكوك التي تثار حول الإسلام، وصلاة الجنازة، وإقامة الجماعة، والآذان، ونحو ذلك.
2- والنوع الثاني ما يتصل بإصلاح النظام المعيشي، مثل: الزراعة، والصناعة، والطب، ونحو ذلك من الحرف التي يضر تعطيلها أمر الدين والدنيا.
3- والنوع الثالث من الفروض الكفائية ما يشترط فيه الحاكم، مثل: الجهاد، وإقامة الحدود فإن هذه من حق الحاكم وحده، وليس لاي فرد أن يقيم الحد على غيره.
4- والنوع الرابع ما لا يشترط فيه الحاكم، مثل: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الفضائل، ومطاردة الرذائل.
فهذه الفروض الكفائية لا تجب على كل فرد، وإنما الواجب أن ينهض بها بعض الافراد، فإذا قاموا بها، وحصلت بهم الكفاية، سقط الوجوب عن الافراد جميعا. وإذا لم يقوموا بها، أثموا جميعا.
يقول الله تعالى: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} وقال سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا}.
وفي البخاري ويذكر عن ابن عباس {انفروا ثبات}: سرايا متفرقين.
وقال سبحانه: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة كلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما}.
وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعث بعثا إلى بني لحيان - من هذيل - فقال: «لينبعث من كل رجلين أحدهما، والاجر بينهما».
ولأنه لو وجب على الكل لفسدت مصالح الناس الدنيوية، فوجب أن لا يقوم به إلا البعض.